صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

مَـاذا يَنقُص الهِـلال؟

77

صَـابِنَّهَـا
محمد عبد الماجد

مَـاذا يَنقُص الهِـلال؟

أفضل منتخب للبرازيل في كأس العالم لم يُحقِّق البطولة ـ البرازيل حقّقت بطولة كأس العالم عندما قلّلت من الجرعة الجمالية التي كانت تُقدِّمها في الأداء.
جيل الأساطير في المنتخب البرازيلي فشل في معانقة كأس العالم.
ميسي عندما كان في قمته، عندما كان يقدم السحر الكروي ـ وكان برفقة زملاء مبدعين في منتخب الأرجنتين، وجميعهم كان في مرحلة عمرية نموذجية للعطاء، فشلوا في تحقيق لقب بطولة كأس العالم ـ ولم تحقق الأرجنتين كأس العالم مع ميسي إلا وهو في أضعف حالاته ـ بدأت الأرجنتين بطولة كأس العالم التي فازت بها في قطر بخسارة من منتخب مصنف في المستوى الرابع وهو المنتخب السعودي، وفازت في النهائي على منتخب مصنف في المستوى الأول وحامل اللقب وهو المنتخب الفرنسي.
وكانت تصديات إيميليانو مارتينيز في نهائي المونديال هي الأبرز للحارس الأرجنتيني في المونديال، بعدما ارتدى قفاز الإجادة في أصعب أوقات المباراة عندما تصدى لانفراد من كولو مواني لاعب فرنسا في وقت كان يصعب فيه التعويض إذا مرّت الكرة إلى المرمى في طريقها لهدف مؤكد. وقدم مارتينيز لقطة رائعة أمام مواني في الدقيقة 120+3.
ليونيل ميسي مدينٌ لإيميليانو مارتينيز بلقب كأس العالم.
شوفوا تفصيلة صغيرة جداً منحت ميسي أول ألقابه في كأس العالم.
برشلونة جيلها الذهبي ليس هو الأكثر تحقيقاً للبطولات، وكذلك ريال مدريد.
الأجيال الذهبية لا تحقق البطولات، الأجيال الذهبية دائماً هي في خصام مع الألقاب والأرقام.
باريس سان جيرمان في وجود ميسي ونيمار ومبابي لم يحقق لقب دوري أبطال أوروبا ـ حقق اللقب بعد رحيل هذه الأسماء وبأسماء بعضها يعتبر مغموراً.
الجيل الذهبي للمنتخب المصري، جيل الحضري ووائل جمعة وأحمد حسن وأبوتريكة وأحمد فتحي وحسني عبده ربه وعماد متعب وعمرو زكي وزيدان وميدو حقق بطولة الأمم الأفريقية ثلاث مرات متتالية وفشل في التأهل إلى كأس العالم، بل خسر في تصفيات كأس العالم من غانا بسداسية.
الأجواء المثالية، وتوفر كل المقومات والمعينات لا تصنع بطلاً.. البطولة تحتاج إلى إرادة وقوة وعزيمة وإصرار، وبالتأكيد هذا لا يعني عدم ضرورية الأجواء المثالية، لكن ما أقصده أن البطولات تتحقّق بالتفاصيل الصغيرة وليست فقط بالأساسيات الضرورية، لأنّ معظم الأندية أصبحت تتوفر لها تلك المقومات الأساسية، التنافس والتميز أصبح في الأمور الهامشية أو التفاصيل الصغيرة.
لذلك فإنّ أهم ما يحتاجه الهلال هو الاعتناء والاهتمام بالتفاصيل الصغيرة.
في الهلال الآن جهاز فني مقتدر ـ اعتبرهم الأفضل في القارة مُقارنةً مع الأندية المنافسة في دوري أبطال أفريقيا، نمتلك مديراً فنياً مُبدعاً ومخطط أحمال بصمته واضحة ومحللاً فنياً خطيراً.
ادعي أن الهلال يملك أفضل ثالوث هجومي في القارة جان كلود وكوليبالي وفلمو، إلى جانب الأسماء الأخرى صنداي وإيبولا وسالم وماديكي وكول وكابوري.
الهلال يمتلك عناصر وطنية ممتازة، الغربال وروفا وكرشوم وإرنق وجوباك وصلاح عادل.
لا ينقص الهلال إلا التفاصيل الصغيرة، فلا تهملوا الأدوات التي سوف تُمكِّنكم من اللقب، انظروا إلى الهامش، فمنه يتحقّق اللقب.
الدول المُتقدِّمة تجاوزت الضروريات ـ الماء والكهرباء والخبز والسُّكّر والمواصلات واتّجهت إلى الارتقاء بما ننظر نحنُ له كرفاهيات أو كماليات ـ بدءاً لا يوجد شئٌ عندهم اسمه (رفاهية)، لأنّ رفاهياتهم كضرورياتنا، لذلك يتقدّمون ونحنُ نتراجع.
الرياضة عندهم ضرورة وعندنا رفاهية.
الرياضة عندهم احترافٌ واستثمارٌ وصناعةٌ، ونحنُ الرياضة عندنا لعبٌ ولهو وتقضية أوقات الفراغ وعدم موضوع.
للآن عندنا الآباء يمنعون أولادهم لعب الكرة ـ بقولوا ليهم شوفوا قرايتكم، خلوا (السرمحة) البتعملوا فيها دي.
الكماليات هي التي تميزك وليست الضروريات ـ هذا مبدأ يجب أن نضعه في كل جوانب حياتنا.
اعتنوا بتفاصيلكم الصغيرة في كل شئٍ وهذا للمرة المليون لا يعني إهمال الضروريات، لكن يعني أننا تجاوزنا التنافس من أجل الحياة.
الفرق بيننا وبينهم أننا نصرف أموالنا وجهدنا ووقتنا في العلاج وهم يصرفون نصف ذلك في الوقاية.
ما نبذله في العلاج لو بذلناه في الوقاية لوفّـرنا نصف ميزانية الدولة.
الدول المُتقدِّمة تذهب جل ميزانياتها في المسارح والمدارس والمصانع والحقول والملاعب، نحن ميزانياتنا تذهب لنفس هذه الأشياء، ولكن تذهب عندهم للبناء والتعمير ونحن عندنا تذهب للهدم والتدمير.
ما صرفناه في هذه الحرب لو صرفناه في البناء والإعمار لوضعنا السودان في مكان آخر.
نحن لا نستطيع أن نصنع طائرة، ولكن نستطيع أن نُسقطها.
قبل هذه الحرب كانوا يتحدّثون عن أنّ السودان لا يمتلك ميزانية ولا يملك ثروات، وفي هذه الحرب اكتشفنا أنّ السودان يمتلك الكثير.
الأموال والثروات المتاحة للنهب والسلب والشفشفة لو أُتيحت للصحة والتعليم والثقافة والفنون والأدب والرياضة، لكنا في المُقدِّمة.
نحن لا نملك دولة تصرف علينا، نحن نملك دولة نصرف عليها.. هذا ببساطة تلخيصٌ للوضع.
عندما أتابع منافسة في التزحلق على الجليد، أو أشاهد مسابقة لمصارعة الثيران، أجد بين ظهرانينا من يقول عن هذه الرياضات، بالله شوف الناس ديل فارغين كيف؟ وستجد من يضيف على ذلك ويقول ما عندهم موضوع، ديل ناس فايقين وما عندهم شغلة، رغم إننا نحن ناس الموضوع مبطلين كل شئ وقاعدين نتفرّج فيهم.
خلّينا شغلتنا وقعدنا نتابع في (فارغتهم) تلك حسب وصفنا.
الناس ديل انتهوا من واجباتهم ويقضون أوقات فراغهم في مصارعة الثيران، وحتى ذلك أصبح عملاً وحِـرفة لهم ـ لم يعد لديهم أوقات فراغ.
بقوا يطلِّعوا قروش من مصارعة الثيران، بطلِّعوها من الثيران ومن الشعوب المطحونة والمغلوبة على أمرها والتي مازالت تتصارع من أجل لقمة العيش ـ تتصارع من أجل الحياة.
نحنُ الذين نعاني من أوقات الفراغ، ونحنُ من حوّلنا كل أوقاتنا إلى أوقات فراغ.
علمياً، إذا لم يكن لديك وقت فراغ تستمع به فذلك يعني أنك عندك مشكلة ـ لا بد أن تستمتع بأوقات فراغك ولا تملأها كلها بالنوم والفيس والواتس والهروب إلى مغيبات العقل.
المشكلة أنّ أوقات العمل وليس أوقات الفراغ هي التي نملأها بالفيس والواتس والتيك توك واليوتيوب.
أعود للهلال ـ هذه كانت نظرة عامة لمقدمة الحديث عن ما ينقص الهلال ليكون بطلاً لدوري أبطال أفريقيا.. وربما اكتفي بهذه المقدمة، لأنّ الرسالة وصلت.
الذي يهمّني في ذلك ليس تحقيق اللقب، هذا هدفٌ جميلٌ ومشروعٌ كبيرٌ وحلمٌ منتظرٌ، لكن ما يهمّني في ذلك هو استمرارية العمل والقتال من أجل هذا الهدف.
الديمومة والاستمرارية من أجل تحقيق هذا الهدف تبقى أهم من الهدف نفسه.
دا ما كلام نظري ـ دا كلام حقيقي إذا أردنا أن نحقق اللقب.
إذا استمريت في السير والقتال، سوف تحقق هدفك، سوف تصل، حتى لو كان ينقصك الكثير من أجل تحقيق هذا الهدف.
يقولون من يركب قطار التاسعة مساءً أو أي قطار، ومن يحجز درجة أولى أو درجة ثالثة ـ الممتاز والعادي جميعهم سيصلون في النهاية إلى محطته في نفس الوقت.
شفتوا الفلسفة دي كيف؟
كلنا نستقل نفس القطار، وإن كان هنالك تفاوتٌ في درجات التذكرة وفي مُميّزاتها، وفي نوع العربات التي نستقلها في القطار.
كل ركاب القطار سوف يصلون في نهاية المطاف إلى محطتهم الأخيرة في نفس الوقت.
يعني ركاب الدرجة الأولى لن يصلوا قبل ركاب الدرجة الرابعة.
في فقه المجال الجوي هذا التعريف (تذكرة درجة رجال الأعمال في الطائرة تُسمى ببساطة درجة رجال الأعمال (Business Class)، وتُعرف أيضاً بـ”Business Class” وتُرمز لها عادة بالحرف “J” أو “C” في رموز حجز التذكرة، وهي فئةٌ فاخرةٌ تقع بين الاقتصادية والدرجة الأولى، وتتميّز بمقاعد أوسع وأكثر راحةً وخدمةً مُميزةً ووجبات فاخرة).
ممكن (Business Class) تكون مميزاتها أفضل، بل هي كذلك، الكرسي مريح، والوجبة التي تقدم لشاغل هذا المقعد أكثر اعتناءً، وطلباتك تُجاب بسرعة أكثر، والمضيفة تبتسم لك ابتسامة أكبر، لكن في النهاية ركاب الطائرة، من يركب هذه الدرجة ومن يجلس في مؤخرة الطائرة سوف يصلون جميعاً في وقت واحد ـ بما في ذلك كابتن الطائرة أيضاً سوف يصل مع الركاب في نفس الوقت.
لذلك الهلال سوف يصل ـ نحن لا نشك في ذلك حتى لو كانت معاناتنا أكبر وطريقنا أكثر مشقة من الآخرين.
الجميل في الهلال أنّـه يقاتل ومستمر.. فشلنا كثيراً، وأحبطنا كثيراً ولكن مستمرين، لذلك نحن نستمتع مع الهلال ولهذا نحن سعداءٌ به.
احترم في الهلال القدرة على القتال والاستمرار على ذلك رغم الفشل ـ احترم في الهلال أنّ أحلامنا لم تسقط ولن تسقط، سنظل نقاتل حتى بعد أن يتحقّق الحلم.
هذه هي البطولة الحقيقية، أن تظل تقاتل من أجل هدفك في كل موسم.
سوف نصل لهدفنا اليوم أو غداً، هذا العام أو العام القادم أو بعده أو بعد عشر سنوات.. علينا فقط عندما نفشل ونخسر أن نعود أقوى وأن لا نتخلّى عن حلمنا، علينا أن لا نبدأ من الصفر، إذا بدأنا مما انتهينا إليه سوف نصل سريعاً.
عدوّنا الحقيقي الإحباط واليأس وليس الهزيمة أو الخسارة.
نخسر ليس مشكلة ـ المشكلة أن نُحبط.
مسألة الوقت، اليوم أو غداً أو بعد عام أو بعد عشر سنوات في يدنا، نحن مَن نُحدِّد تاريخ بطولتنا.. علينا أن نقترب أكثر من اللقب بالمزيد من الإرادة والعزيمة والإصرار والحُلم.
لا تتخلّوا عن أحلاكم ـ الأحلام تتحقّق ولو بعد حين.
الله بديك قدر أحلامك.. فاحلم بما تشاء.
أسمع عن أنّ الهلال يبحث عن لاعب ارتكاز بمواصفات (اللقب)، وأسمع عن الحاجة لمدافع، أسمع كثيراً، وتقوية الهلال شئ جميل، الإضافة سوف تضيف لك، لكن أعتقد أنّ الهلال في حاجة قبل ذلك إلى الاعتناء بالتفاصيل الصغيرة.
حسب نظرتي أَنّ توليفة الهلال الحالية مثالية، لا ينقصنا شئٌ، غير المزيد من الجهد والعطاء والإصرار والإرادة.
التعاقد مع لاعب ارتكاز بمواصفات اللقب سوف يمنحنا قوةً جديدةً، وسيمنح الهلال دفعة أخرى، وأنا دائماً على قناعة أنّ التجديد والإضافات يجب أن تحدث حتى وإن وصلت إلى مُستوى الكمال وهذا أمرٌ صعبٌ، الكمال هدفٌ مفتوحٌ للجميع، لا نبلغه من أجل أن نظل نبحث عنه، ونعمل من أجله، وهذه هي المُتعة الحقيقية.
لا تتوقّفوا، أعملوا دائماً من أجل أن نكون أفضل مما نحن فيه الآن.
إضافة لاعب أو اثنين أو ثلاثة سوف تجعل الهلال أقوى، فقط علينا أن نرفع من سقف المواصفات، علينا أن نعلم أنّ دخول لاعب جديد لتشكيلة الهلال الحالية لن تكون مُتاحة للاعب إلا بمواصفات نادرة وفريدة.
علينا أن نتجاوز التسجيل من أجل التسجيل وندخل للتسجيل من أجل الإضافة.
لكن كل هذه الأشياء لا قيمة لها إذا لم نهتم بالتفاصيل الصغيرة.
أكثر ما يحتاجه الهلال هو توفير بيئة صالحة ومحفزة لتحقيق اللقب القاري.
توفير البيئة الملائمة أصبح علماً، أصبح صناعة، وهو أمرٌ ليس فقط معنيٌّ بالفنيات والمجهود البدني والمقومات الأساسية.. الجانب النفسي والذهني هو مَن يصنع الفرق، هذا طبعاً بعد أن تساوت الكتوف في المهارات والمقدرات الفنية.
الهلال لا تنقصه الأساسيات، نحنُ لا تنقصنا أشياء كبيرة، نحن تنقصنا أشياءٌ صغيرة، سوف أظل أكرر علينا الاعتناء أكثر بالتفاصيل الصغيرة.
الضروريات ليست لدينا فيها مشكلة ـ مشكلتنا في الكماليات وبالكماليات تتحقّق البطولات.
….
متاريس
الجمهور عليه أن يدعم فريقه ليس برؤيته هو، وإنّما برؤية المدرب.
ادعموا رؤية المدرب وسياسته ولا تدعم رؤيتك الخاصّـة حتى لو كنت أنت خبيراً أو إعلامياً كبيراً.
مشكلتنا في السودان في كل المجالات، حتى المجالات التي لا نفهم فيها شيئاً هو أن نعتقد أنّ رؤيتنا الخاصة هي الرؤية الصحيحة.
أولاً نحن في حاجة لتغيير المفاهيم.
لذلك أي فشل نحن سببٌ فيه.

ترس أخير: جزءٌ من مشكلة الهلال فهَمُنَـا هذا.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد