صَـابِنَّهَـا
محمد عبد الماجد
النقطَة ولا صَمّـة الخَشُم
مع كل المصاعب والإشكاليات التي كانت تُهدِّد الهلال في لوممباشي، وهي مفروضة علينا وليس للهلال قُدرة للسيطرة عليها أو تجاوزها، كنا نطالب بالفوز على سانت لوبوبو، وقد قصدنا أن نقف ونشدد على ضرورة الانتصار ـ نحن لا نحب أن نقف عند العقبات والأزمات قبل المباراة، حتى لا نخلق مبررات ونقدم أعذاراً مسبقة.. كان مهماً عندنا أن يلعب الهلال من أجل الفوز حتى إذا فشلنا في تحقيق الانتصار، نخرج بالتعادل، وللأمانة الخروج بنقطة من معقل سانت لوبوبو حتى وإن كان يلعب على ملعب مازيمبي مكسبٌ للهلال.
ومكسبٌ كبيرٌ بحسابات مرحلة المجموعات.
الحديث عن ضرورة الفوز لا يعني حتميته، ومباراة ساهلة لا يعني أنّ النصر فيها مضمونٌ، في كرة القدم قد تفقد مباراة ساهلة وقد تكسب أخرى صعبة، يحدث ذلك بشكل متكرر ودائم في عالم كرة القدم.
المدير الفني للهلال في المؤتمر الصحفي الذي يسبق المباراة كان يبدو عليه التخوف، وقد لاحظت توتره، عكس الحالة التي ظهر بها في المؤتمر الصحفي الذي سبق مباراة الهلال أمام المولودية، وقد كان تخوف ريجيكامب من مباراة سانت لوبوبو منطقياً ومبرراً وناتجاً للعقبات والإشكاليات التي واجهته قبل المباراة، ونثبت ذلك التوجس بسبب الصعوبات التي هددت الهلال قبل المباراة، إنّ رئيس بعثة الهلال إلى لوممباشي المهندس الفاضل التوم، أعلن عن حافز كبير حال تحقيق الفوز، ثم أضاف وأكد أنّ هنالك حافزاً للاعبين إذا انتهت المباراة بالتعادل، وهذا تأكيدٌ على أن المواجهة كانت صعبة، وأنّ ظروف الهلال قبل المباراة لم تكن على أفضل حال، كذلك يثبت هذا التصريح مسبقاً أن التعادل مكسب للهلال وإلا ما كان هنالك تحفيزٌ عليه، وتصريح الفاضل التوم كان ذكياً، لأنه شعر بخطورة المباراة، وأراد كذلك أن لا يسقط قيمة التعادل، ورئيس بعثة الهلال بعد المباراة خاطب اللاعبين وكان يبدو راضياً عن النتيجة، رغم أنّ التعادل حجب فرحتنا، خاصة أن سانت لوبوبو تعادل في الدقيقة 80.
قد تسألوا وما هي الظروف التي عاشها الهلال قبل المباراة وجعلت الخروج بنقطة مكسباً للهلال.
قوام الهلال الوطني انضم للبعثة في رواندا قادماً من الدوحة قبل 72 ساعة من المباراة، ثم غادروا مع الفريق من كيجالي الى لوممباشي قبل 48 ساعة، وقبل ذلك كانوا قد خاضوا قبل أربعة أيام فقط من اللقاء مباراة قوية وشاقة أمام المنتخب اللبناني في أجواء صعبة وتنافس شديد، بذل فيه اللاعبون جهداً مضاعفاً، وقد مثل المنتخب أمام لبنان في تشكيلته الأساسية (7) لاعبين من الهلال.
هذه العناصر الى جانب الجهد الذي بذلوه في مباراة المنتخب، تعرّضوا لإرهاق شديد بسبب رحلة انضمامهم للبعثة وسفرهم معها بعد ذلك إلى الكونغو.
كل ذلك حدث خلال الأيام الأربعة التي سبقت المباراة، وهم إلى جانب ذلك لم يخوضوا تمارين كافية قبل المباراة مع مديرهم الفني تجهزهم بصورة مثلى لمباراة لوممباشي.
الهلال قدّم تضحيات كبيرة من أجل المنتخب وهذا أمرٌ يجب أن نقف عنده، والسودان من دون شك يستحق تضحيات الهلال.
هذه الأمور لم نتحدث عنها قبل المباراة حتى لا نخلق للاعبين عذراً، وحتى لا تكون هنالك بلبلة.
وقبل المباراة من الذكاء والحكمة أيضاً ألا تتحدث عن الأزمات والمشاكل حتى لا تثبتها وحتى لا تشيع الخوف بين الأنصار.
واحسب أنّ هنالك كان تخوفٌ جماعيٌّ من الجماهير من اللقاء، كان هنالك تخوفٌ مكبوتٌ، فقد كان الكل يتخوّف من مفاجآت سانت لوبوبو الفريق الذي أبعد المريخ من التمهيدي الأول، وأبعد أورلاندو الجنوب أفريقي وحرمه من الوصول لمرحلة المجموعات بعد أن فاز عليه في لوممباشي بثلاثة أهداف نظيفة.
ويتصدّر سانت لوبوبو الدوري الكونغولي بعد فوزه على فريق مازيمبي، لذلك كان الخوف منطقيّاً من هذا الفريق وإن لم نعلن عن ذلك.
وهذا الحديث لا يعني إطلاقاً أن سانت لوبوبو مثل صن داونز أو أخطر من المولودية ـ مع كل هذه المعطيات يبقى سانت لوبوبو هو الأضعف في مجموعة الهلال، وربما لذلك حزنا من التعادل، غير أنّ الفريق قادر على أن يعرقل صن داونز والمولودية وهو يملك المقومات لذلك.
مباراة الهلال في جنوب أفريقيا أمام صن داونز سوف تكون صعبة ومع نفس الفريق في كيجالي أو بنغازي قد تكون أصعب، لذلك على الهلال أن ينقض على فريسته في جنوب أفريقيا إذا أراد التهامها، فذلك أسهل من الانقضاض عليها في ملعب الهلال الافتراضي، وتبقى مباراة الهلال في الجزائر أمام المولودية أصعب من مباراة الهلال أمام سانت لوبوبو في لوممباشي، لكن صعوبة المباراة لا يعني عدم الفوز بها ـ وكم فقدنا مباراة سهلة ـ والنصر لا تحددها صعوبة المباراة أو سهولتها.
ولا زلت أقول إنّ أصعب مباراة تجاوزها الهلال بالفوز على المولودية في كيجالي، من بعد كل الأمور إن شاء الله تحت السيطرة.
أحياناً سيناريو المباراة هو الذي يحدد الفرحة بغض النظر عن النتيجة ـ يعني لو الهلال تعادل في الدقيقة 80 كانت الفرحة لن تسعنا، ربما تعادل سانت لوبوبو مع الهلال في هذا الوقت هو الذي ذهب بفرحتنا، أو هو الذي جعلنا نشعر بالضيق والغضب وإن كان علينا أن ندرك أنّ المباراة 90 دقيقة وأنّ التعادل أو الانتصار يمكن أن يتحققا في آخر ثانية من عمر المباراة.
وربما قلّت فرحتنا، لأننا دخلنا المباراة ونحن فقط نبحث عن الفوز ونؤكده، وكنا نُروِّج جميعاً أن التعادل خسارة للهلال، وهذا كان فقط مجرد شعار، لكن الحقيقة غير ذلك.
مجريات المباراة تثبت أن نتيجة التعادل عادلة، لعب الهلال الشوط الأول وسجل فيه، ولعب لوبوبو الشوط الثاني وسجل فيه، غير علينا أن لا نسقط أنّ الفريق عندما يلعب على أرضه ووسط جمهوره، يمكن أن يحقق الانتصار دون أن يكون صاحب قدرة فنية، ومن غير أن يلعب، لأنّ الجمهور والأرض قوتا دفع إضافية يُعوِّضان كل نواقص الفريق ومشاكله.
الإشكالية الأخرى التي واجهت الهلال قبل مباراة سانت لوبوبو افتقاد الهلال لعنصرين مهمين في تشكيلته الأساسية ولهما تأثيرٌ كبيرٌ على أداء ونتائج الفريق في الفترة الأخيرة ـ هما صلاح عادل الذي طُرد في مباراة الهلال والمولودية بالكرت الأحمر، الى جانب جان كلود الذي نجح مخطط مولودية في إيقافه لثلاث مباريات، ليفقد الهلال المقاتل صلاح عادل في الوسط ويفقد جان كلود في الهجوم، ورغم وجود بدائل جيدة لهما في الهلال إلا أن كل البدائل تفقد الجاهزية ويغيب عنها التجانس مع الفريق.
إلى جانب هذه الإشكاليات، يبقى غياب الدوري أو خوض الهلال مباراة واحدة في الدورى الرواندي أمراً مؤثراً بشكل واضح على الهلال، لو خاض الهلال عشر مباريات أو حتى سبع مباريات في الدوري كان شكل الهلال سوف يكون مُختلفاً، كما أنّ مشاركة أكثر من (12) لاعباً من الهلال مع بلادهم حرم الهلال ومدربه من تجهيزهم وإعدادهم بالصورة التي تمكنه من تنفيذ استراتيجيته الفنية في المباريات الأفريقية.
للترتيب لمثل هذه المباريات تحتاج إلى أن يكون لاعبو الفريق بحوزة مدربهم عشرة أيام متواصلة قبل المباراة أو على الأقل أسبوع ـ لأنّ التجهيز لكل مباراة يختلف عن الأخرى.
مدرب الهلال فعلاً كان مظلوماً، فهو كان يفتقد عناصره الدولية الأكثر جاهزية بسبب مشاركاتهم مع منتخبات بلادهم، ومن يتوفر له من لاعبين يفتقدون حساسية المباريات، لأنهم يشاركون مع الهلال في البطولة الأفريقية بدون دوري وبدون مباريات رسمية، وهذه مشكلة حقيقية أن تجمع في تشكيلة واحدة عناصر جاهزة ولكنها مُرهقة وأخرى مرتاحة لكنها غير جاهزة بسبب عدم مشاركتها في مباريات رسمية.
التعادل نتيجة جيدة للهلال، وإن فرضت النتيجة على الأزرق أن يحقق الانتصار في إحدى المباراتين اللتين سوف يواجه فيهما الهلال صن داونز ذهاباً وإياباً في الجولتين القادمتين.
أعتقد أنّ سانت لوبوبو قادرٌ على أن يعرقل صن داونز في ملعبه ولو بالتعادل، أما المولودية فهو لم يفلت منه بأية حال من الأحوال، ولا بد أن يقع في حباله في إحدى المباراتين القادمتين اللتين سوف يواجه فيهما الفريق الكونغولي أولاً في الجزائر، وثانياً في لوممباشي.
الحمد لله أنّ الهلال في كل هذه الظروف ومع أنه فَقدَ صلاح عادل وجان كلود بصورة فجائية، إلا أنه وصل للنقطة الرابعة، وهذا أمرٌ فشل فيه حتى الترجي التونسي الذي اكتفى بنقطتين من جولتين.
علينا أن لا نقلل من قيمة الهلال ومن نجاح المدرب، فأندية الصف الأول في القارة ـ صن داونز والأهلي المصري والترجي التونسي وهي أندية لعبت في دوريات بلادها أكثر من عشر مباريات رسمية إلى جانب مباريات في الكأس والسوبر لم تحقق أكثر من أربع نقاط ـ رغم أنّ الأندية الثلاثة لعبت في بطولة كأس العالم للأندية في بداية الموسم بأمريكا.
صن داونز له نفس رصيد الهلال (4) نقاط، وكذلك الأهلي المصري.
بترو أتليتكو الفريق الجيد كذلك له نفس رصيد الهلال من النقاط، وللملعب المالي أيضاً (4) نقاط وليانغا افريكانز ما للملعب المالي من نقاط.
الترجي التونسي له نقطتان والجيش المغربي وشبيبة القبائل والمولودية وسانت لوبوبو كل منهم له نقطة وحيدة.
وفريق سيمبا التنزاني بدون رصيد من النقاط.
وهذه الأندية كلها مستقرة وتلعب على ملاعبها ودورياتها، قطعت شوطاً بعيداً وقاربت الدورة الأولى عندهم من الانتهاء.
هذه الأندية لا تعاني من حرب ولا يوجد فريق منهم يشارك (10) لاعبين من عناصره في منتخب بلاده.
أما بيراميدز ونهضة بركان اللذان وصلا للنقطة السادسة فهما يلعبان في مجموعة ضعيفة وعندما يتواجهان كلاهما سوف ينزف ويفقد، ووصولهما للنقطة السادسة ليس دليل قوة لهما.
عموماً غضب الأهلة على التعادل ظاهرة إيجابية، ولكن ذلك يجب أن لا يجعل طموحاتنا تتجاوز المنطق، والبطولات تتحقّق بحسبة تُخضع للعقل والمنطق ولا تتحقّق فقط بحسبة الطموحات والأحلام.
بعد التوقف وعودة دوران مباريات المجموعات من جديد بعد 53 يوماً، سوف يكون الهلال أكثر جاهزية وسيصل الانسجام والتفاهم بين اللاعبين إلى معدل أعلى مما هو عليه، غير أنه يجب علينا أن لا ننسى أنّ الهزيمة واردة، وأنّ التعادل يبقى نسبياً هو الأكثر تحققاً في مباريات مرحلة المجموعات ـ علينا أن ندرك إننا لن نتعامل مع فرضية واحدة، هي فرضية النصر، سوف ننتصر وسنُهزم ونتعادل، طريق البطولات يمر بكل هذه المحطات، لا توجد بطولة خالية من التعثرات ـ الإخفاق جزءٌ من اللعبة.
كذلك علينا أن نعي أنّ النقطة التي خرج بها سانت لوبوبو من الهلال سوف تجعل حظوظه باقية في التأهل وستجعله يقاتل بقوة أمام المولودية في الجولتين القادمتين، وإذا نجح سانت لوبوبو في الفوز على المولودية أو عرقلته سوف يكون طريق الهلال ممهداً للتأهل.
بالمناسبة، لو كان خسر الهلال في لوممباشي لطالبنا بتقبل النتيجة والتعامل على ضوء تلك النتيجة برضاءٍ مع المباريات القادمة بحسابات أكثر دقة وربما أكثر تعقيداً.
…
متاريس
المولودية خاض ثماني مباريات في الدوري الجزائري وهو بنقطة وحيدة.
صن داونز خاض أكثر من 10 مباريات في دوري جنوب أفريقيا وهو بنفس نقاط الهلال.
الهلال لم يلعب غير مباراة واحدة في الدوري الرواندي، خاضها بدون عناصره الدولية وهو في صدارة مجموعته مع صن داونز الذي يتفوّق علينا بالأهداف.
المطالبة بالانتصار وإشاعة الروح الإيجابية لا يعني حتمية النصر كما أشرت أعلاه ـ كنا نتطلّع أن يحقق الهلال الانتصار خارج ملعبه وهذا أمرٌ في حد ذاته يؤكد أن الهلال يتقدم.
فاز الهلال على المولودية رغم أنّ الفربق الجزائري في 20 مباراة لم يخسر.
وتعادل الهلال مع سانت لوبوبو، مع أنّ الفريق الكونغولي فاز على أورلاندو بثلاثية نظيفة على ملعبه وفاز على مازيمبي في الدوري الكونغولي.
والنقطة ولا صمة الخشم.
اعتبروني لغاية الآن لم أسمع بخبر خسارة المريخ للمرة الثانية توالياً في الدوري الرواندي.
اعتبروني ما سمعت أي حاجة إلى أن أعود لكم بـ(فاطي سطر).
هسه ما فاضين ليهم.
…
ترس أخير: داركــو للطيران ـ الرجَــاء ربــط الأحزمَــة، الطَائرة على أهبَـة الإقـلاع.


