صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

مذكرات من الحرب اللعينة (٩)

169

عبدالعزيز الحلو على الخط..!

أبوعاقله أماسا
* ترددت كثيراً في الكتابة عن أحداث الهجوم على الفرقة الرابعة بالدلنج قبل تجميع معلومات دقيقة وحيثيات مقنعة ووقائع مثبتة، ولا أخفي أنني كنت أستبعد أن يكون القرار صادر من قيادة الحركة الشعبية في كاودا وذلك لإعتبارات كثيرة أولها أنها أكدت أكثر من مرة إلتزامها بإتفاق وقف إطلاق النار الذي كان قد وقعه رئيس الوزراء الأسبق حمدوك مع الجنرال عبدالعزيز الحلو قائد الشعبية شمال، ولأنني كنت من المتابعين والمعايشين لثمرة هذا الإتفاق الذي أعاد الحياة لجبال النوبة، وكيف إنتعشت التجارة والأسواق وإستعادت بعض المناطق ذاكرتها في الحياة بعد أن هجرها الناس، وتحولت قرى عريقة إلى أدغال موحشة لا أثر لحياة فيها، وكأنها لم تسكن من قبل..!!
* بحثنا عن مبررات لذلك الهجوم المفاجيء على مدينة الدلنج وطالعنا أكثر من بيان _ غير رسمي _ تسوق المبررات، إلتقطنا منها معلومة من بيان محاميي جبال النوبة ملخصها (أن الهجوم على حامية الدلنج جاء بعد تساهل الجيش مع الدعم السريع في نقطة (طيبة) بمحلية القوز وسقوطها) مايعني أن الهجوم على الدلنج أصبح وارداً بنسبة كبيرة، وجاء في البيان أن الهجوم على الفرقة جاء لحماية المواطنين، وهذه النقطة تحمل الكثير من التناقضات لأن الهجوم نفسه قد تسبب في ترويع المواطنين الذين لجأوا إلى المدينة من الخرطوم، وبعضهم بدا في مغادرة المدينة في رحلة عكسية نحو مدن الوسط الآمنة.. والحقيقة أن الهجوم قد أعاد المنطقة إلى المربع الأول، في ذات الوقت الذي كان فيه المواطنين يتوقعون خطوات جديدة نحو التنمية، بإعتبار أن الحركة الشعبية بقيادة الحلو كانت أكثر الحركات المسلحة وضوحاً وثباتاً في طرحها ومطالبها وبالتالي هي أبعد الحركات من إتهامات العمالة والإرتزاق أو التهافت نحو المناصب الهلامية والمكاسب الرخيصة..!!
* إحدى التحليلات المنطقية ذهبت نحو قراءة بعيدة، فيها توقعات بتقسيم حتمي للسودان على ضوء مايجري الآن، وان دارفور ستنفصل وتذهب إلى عهد ماقبل ١٩١٦، ويذهب الوسط والشمال إلى حدود دولتي (علوة والمقرة) وأن النيل الأزرق وجبال النوبة ستلحق بالجنوب المنفصل قبلاً، وهذا الطرح مرفوض جملة وتفصيلاً من قبل المثقفين والمتعلمين في جبال النوبة، كما أنهم رفضوا كل مبررات الهجوم على مدينة الدلنج وما تمخض عنه من ترويع للمواطنين الآمنين في المدينة وماحولها، في وقت كانت فيه التجهيزات جارية على قدم وساق للموسم الزراعي وهو حياة الناس هناك..
* بيان إتحاد محاميي جبال النوبة حاول التسويق لفكرة الهجوم على حاضرة المنطقة الغربية وعروس الجبال مدينة الدلنج، ولكن الأغلبية لم يؤيدوا هذه الخطوة، بل ظهرت بعض الأصوات التي تتهم قيادة الحركة بالتماهي مع أهداف الدعم السريع خاصة بعد أحداث الجنينة التي كشفت عن تصفيات عرقية وعنصرية ظاهرة ضمن أهداف المتمردين، إضافة إلى عداء تأريخي بين سكان المنطقة والعرب الأبالة الذين كانوا يدخلون الجبال في موسم الصيف بحثاً عن المراعي ويرتكبون التعديات على المحليين.. كلها خلفيات تجعل التماهي مع الدعم السريع رابعة المستحيلات، وتضع خطوة الهجوم على مدينة الدلنج في هذا التوقيت في خانة الفعل المرفوض جملة وتفصيلاً..!!
* مدينة الدلنج عاشت سنوات من الهدوء والرخاء والإنتعاش التجاري، نسي المواطنون معها سنوات الضنك التي مرت عليهم بعد كتمة ٦/٦/٢٠١١ والتي تسببت في تغيير خطير في ديمغرافيا المنطقة وتسببت في هجرات تأريخية إلى هوامش المدن، وفي الفترة ما بين ٢٠١٦ وحتى تأريخه إستعادت الدلنج مكانتها التجارية بين المدن، وتحرر الناس في حركتهم بين المناطق، وأصبحت كاودا الوجهة العلاجية الأولى للمرضى من كل مدن جنوب كردفان وما جاورها من الذين كانوا يقصدون مستشفيات كاودا التي توفر العلاج المجاني للمرضى، فتذوق الناس نعمة الأمن والأمان، وبدأوا استكشاف جمال مناطقهم من جديد، وتحمس بعضهم لفكرة العودة إلى أرض الأجداد وتأسيس منازلهم في ذات أرض الأجداد.. لذلك قلنا أن هذه الأحداث ستعيد المنطقة إلى زمن الحرب وعدم الإستقرار ويباعد بينها وبين فكرة التنمية حتى في المستقبل..!
* الهجوم على مدينة الدلنج منحت المعارضين لقيادة الحلو فرصة الترويج لأفكارهم القديمة والرافضة لقيادته للحركة وهم كثر، وكذلك أبرزت الآراء التي تعبر مرحلة الملل من الحرب وتداعياتها بعد أن أصبحت آثارها السلبية تتغلب على أية إيجابيات منتظرة في المستقبل فما من جدوى من حرب تفرغ المنطقة من سكانها ثم تنميها ليقطنها غير سكانها الأصليين..
… سنعود ونواصل..

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد