صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

فراق الأحبة

1٬580

كبد الحقيقة

د.مزمل ابوالقاسم

فراق الأحبة

 

* يقولون الموت نقّاد يختار الجِياد، وعهدنا به أنه لا يستثني طيباً ولا شريراً، لأن كأسه دوارة، وهو حق، وإن قسا وانتقى الأحبة.
* خلال أسبوعٍ واحد فقدنا أربعة من أعلام وقامات الوسط الرياضي، ليتفشى الحزن وتسود الوجوه وتبتل الخدود بماء المآقي.
* رحل عن دنيانا الفانية الزميل الأستاذ عدلان يوسف، أحد أشهر أعمدة الإعلام الرياضي في السودان، ثم تلاه مولانا جمال حسن سعيد، رئيس نادي الأمل عطبرة، ثم فجعنا برحيل الزميل الأستاذ محمد أحمد دسوقي، أحد رواد جيل الوسط في الإعلام الرياضي، قبل أن نودع الأستاذ عبد المنعم عبد العال، الرئيس الأسبق لاتحاد مدني المحلي، ورئيس رابطة الصالحية في العاصمة السعودية، وعضو مجلس إدارة الاتحاد العام الأسبق.
* عندما ولجنا ساحة المهنة كان عدلان رحمة الله عليه ملء السمع والبصر، كأحد أشهر الناشرين في مجال الإعلام الرياضي، عبر صحيفته ذائعة الصيت (الكورة).
* نال عدلان لقب الرادار بسبب شغفه بجمع الأخبار، فقد كان رحمة الله عليه مخبراً صحافياً لا يشق له غبار في تقصي الأنباء وتحديد تفاصيلها، وكان مثل النحلة، يتنقل بين مجالس الرياضيين واتحاداتهم وأنديتهم على مدار اليوم، سعياً لمد القراء بآخر أخبار ومستجدات الوسط الرياضي.
* لم تكن المهنة وقتها تتمتع بالمميزات التقنية العالية التي تتسم بها في الوقت الحالي، فقد كانت المطابع متخلفة، وتستهلك وقتاً طويلاً في طباعة الصحف، مما يستلزم إرسال الصحيفة إلى المطبعة في منتصف النهار.
* أخذ كثيرون على عدلان ما اصطلح على تسميته خبر الفريق الصيني، واتهموه بأنه أورد نتيجة مباراة كان من المفروض أن تقام للفريق الزائر مع أحد طرفي القمة، والصحيح أنه لم يفعل ذلك بالصيغة التي تداولها الناس لزمنٍ طويل كي يتخذوا منها سلماً للطعن في مصداقية الإعلام الرياضي.
* كانت الزيارة شبه مؤكدة، فكتب عدلان رحمة الله عليه خبراً يفيد أداء الفريق الصيني للمباراة، وأسند إليه أنه ظهر بمستوىً رفيع، وبالطبع تأجلت الزيارة ولم يحضر الضيوف إلى السودان، فتعرض الناشر إلى حملةٍ ضارية، لهفوةٍ ارتكبها بحسن نية، وفرضتها عليه ظروف العمل الصحافي المتخلفة وقتها.
* جمعتني بعدلان علاقة قوية، إذ كان رحمة الله عليه تلقائياً يتعامل بنخوة أبناء البلد الأصيلين مع زملاء المهنة، وكان حفياً بنا نحن الذين ولجنا سوح المهنة في شرخ الصبا.
* كان عشق عدلان للمريخ مُشهراً على الملأ، ويحسب له أنه كان أول مريخي يصدر صحيفة خاصة، في زمنٍ سيطرت فيه الصحف الزرقاء على ساحة الإعلام الرياضي، ثم تلاه الزميل الصديق محمد فرح عبد الكريم بصحيفة المنتخب، والزميل الأستاذ كمال حامد بصحيفة (الرياضية).
* بالطبع كانت صحيفة المريخ سباقةً برئاسة تحرير أستاذ الأجيال طه محمد طه، وخليفته (شيخ الطريقة المريخية) أحمد محمد الحسن رحمة الله عليه.
* على درب الرادار سار الزميل الصديق محمد أحمد دسوقي، الذي كان يطيب لنا أن نلقبه بـ(أبو الدوس)، لخفة دمه وطيبة قلبه وحسن خلقه.
* أسس دسوقي صحيفة (صوت الشارع مع زميله وصديقه ورفيق دربه الأستاذ الراحل حسن عز الدين رحمة الله عليه، ثم أصدر معه صحيفة (نجوم وكوكب)، وفيها اشتهر بكتابة مقال رصين حمل عنوان (الشارع الرياضي).
* فيها ابتكر دسوقي حواراً باسم (نجم على التلفون) فحظي بذيوع لن يتأتى لأي حوار قبله.
* كان دسوقي هلاليا يحب الموردة ويحترم المريخ، وقد توثقت صلتي به إبان عمله في ملحق الخرطوم الرياضي بالقاهرة في مستهل عقد التسعينات، حيث تعودت على أن أضع نفسي تحت تصرفه كلما زرت قاهرة المعز، لأعمل معه محرراً في الصحيفة التي كانت تتخذ من مبنىٍ بشارع (عائشة التيمورية) في حي قاردن سيتي مقراً لها.
* جمعتني به محبة طاغية، وصداية صافية، كدرها خلاف طارئ تبادلنا في الهجمات العنيفة حتى تجاوزنا الخطوط الحمراء، وندمت عليه أشد الندم، وظللت أعتذر له عنه كلما لقيته، وكان كالعهد به طيباً متسامحاً نقي القلب، لا يعرف الأحقاد.
* عملنا سوياً في صحيفة الكابتن الرياضية التي كانت مملوكة لحكيم الهلال طه علي البشير، وكان رئيساً لتحريرها، وأشهد له أنه كان مهنياً لآخر الدرجات، لا يضيق بالرأي الآخر مطلقاً، ولا يحذف كلمةً واحدةً من أي مقال لي مهما قسوت فيه على الهلال.
* كنت أعمل وقتها في صحيفة أخبار العرب الإماراتية في أبوظبي، وكانت علاقتي التحريرية بالصحيفة تستند إلى مقال (كبد الحقيقة)، الذي يصل إلى الصحيفة عبر الإيميل، وكنت وقتها كثير المشاغل، أتأخر في إرسال المقال حتى منتصف الليل، فيهاتفني دسوقي بصوته الجهور متسائلاً : (شنو يا موزو.. مالك متأخر علينا)؟
* حزنت لرحيل دسوقي، مثلما تكدرت نفسي مع غالب الرياضيين لرحيل مولانا جمال حسن سعيد، وجمال حسن سعيد وعبد المنعم عبد العال.
* كان مولانا جمال من أشجع وأكفأ الرياضيين الذين عرفتهم طيلة مسيرتي المهنية الممتدة قرابة الثلاثين عام، ويكفيه فخراً أنه بنى مجد نادي الأمل عطبرة، وحوله إلى واحدة من أهم وأشهر القلاع الرياضية في السودان.
* أما عبد المنعم عبد العال رحمة الله عليه ففيه تتمثل سماحة وجمال ونقاء الوسط الرياضي، وهو من جيل العمالقة في مجال الإدارة الرياضية.
* رحمة الله عليهم أجمعين، فقد خط كل واحد منهم صفحات لا تنسى في مسيرة الحركة الرياضية السودانية، وخلدوا أسماءهم بأحرفٍ من نور.
* إنا لله وإنا إليه راجعون.
آخر الحقائق
* اختلفت ذات مرة مع الرادار عدلان يوسف رحمة الله عليه.
* تمدد الغضب بيننا حتى تشابكنا بالأيادي داخل مباني صحيفة الرأي الآخر، بعد أن أهال التراب على وجهي داخل إستاد المريخ.
* لم تمض ساعات قليلة حتى فوجئت به يلج مكتبي، ليعتذر لي ويطيب خاطري بكل محبة وتواضع واحترام.
* أما دسوقي فقد كان حبيب الكل، وصديق الكل، مريخاب وهلالاب ومورداب.
* يكتب رأيه بكل أدب واحترام.
* يغالب آلامه ويقاوم أسقامه كي يؤدي واجبه المهني على الوجه الأكمل.
* لا يهاتر ولا يشتم ولا يسيء لأحد.
* لن أبالغ إذا ما ذكرت أن أحبابه بين المريخاب لا يقلون عدداً عن أحبابه وقرائه من الأهلة.
* أحب أبو الدوس الهلال بإخلاص، وخدمه بتجرد، وظل يذود عنه حتى الرمق الأخير.
* قبل دسوقي وعدلان وجمال وعبد المنعم فقدنا اللواء شرطة محمد أحمد بحر، والفريق أول عبد الرحمن سر الختم رحمة الله عليهم أجمعين.
* قست الجائحة على الرياضيين فأزهقت أرواحاً غاليةً، وحرمتنا من الأحبة.
* قابلت الزملاء الأحباب هساي وود الشريف ومجذوب حميدة ومحجوب عبد الرحمن وصلاح مليشيا في سرادق عزاء دسوقي، فأنابت الدموع عن اللسان في التعبير.
* انتمى دسوقي رحمة الله عليه إلى حي الموردة، وأحب الهلب، وعشق اللون الأزرق، وأفنى زهرة حياته في الدفاع عنه.
* نعزي أنفسنا وعموم الرياضيين في رحيل الأخيار.
* نحزن لفراقهم، وندعو لهم بالرحمة والمغفرة، ولا نقول إلا ما يرضي الله.
* نعزي آل الكوباني في رحيل والدتهم الحاجة ليلى رحمة الله عليها، وندعو لها بالرحمة والمغفرة.
* تكاثرت عليهم المصائب، وتوالت عليهم البلايا.
* اللهم اغفر لهم وارحمهم.. وعافهم واعف عنهم.. واكرم نزلهم.. ووسع مدخلهم.. واغسلهم بالماء والثلج والبرد.. ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
* إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

قد يعجبك أيضا
تعليق 1
  1. jumaa musa يقول

    خلافات مع كل هؤلاء الأساتذة دليل على عيب فيك والمصالح الخاصة عندك اهم من اي شئ اخر لذلك اختلفت مع صلاح سعيد وذسوقي وعدلان يوسف وحتى الصحفيين المريخاب….

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد